in

النمو الانفعالي في المراهقة

لاشك أنّ النمو الانفعالي في المراهقة يشكل جانباً أساسياً في عملية النمو الشاملة ودراسة هذا الجانب هامة وضرورية ليس فقط لفهم الحياة الانفعالية للمراهق بل لتحديد وتوجيه المسار النمائي لشخصيته كاملة والغوص إلى أعماق ذاته المتحولة بكل ما تحمله من العواطف والأفكار وتحققه من ضروب الفعل وأنماط السلوك ويعدّ شعور المراهق نحو نفسه من جهة ونحو الآخرين من جهة ثانية من أبرز ملامح حياته الانفعالية ويتمثل بالحب والحقد والأمل والخيبة والغضب والخوف والفخر والإحساس بالعار.

معنى الانفعال وأسسه

أن ينفعل المرء يعني أن يثار بمنبه خارجي أو داخلي وعندما يثار المرء تحدث لديه تغيرات جسيمة يمكن أن تكون على درجة ما من الوضوح أو الغموض له وللآخرين من حوله وتشمل التجربة الانفعالية عموماً الشعور كالخوف والنزعة للفعل كالهرب في حالة الخوف وإدراك المثير مثل الشيء أو الشخص المخيف في حال الخوف وغالباً ما تكون عناصر الانفعال المشار إليها غامضة يعجز المنفعل عن وصفها ولكن غموض تلك العناصر لا يزيل إدراك المنفعل لواقعية انفعاله.

وتتنوع الشروط المولّدة للانفعال سواء في المراهقة أم غيرها من المراحل بتنوع الحياة نفسها والواقع أنّ كل ما يستغرق اهتمام المراهق من جوانب الحياة قادراً على إثارة انفعاله فالمراهق ينفعل سواء تحققت رغباته أم أحبطت إلا أنّ انفعالية المراهق تشتد وتتخذ طابعاً حاداً وعنيفاً عندما يعجز عن تلبية حاجاته وتحقيق أهدافه الخاصة وتأكيد ذاته المستقلة والمتميزة عن ذوات الآخرين ويتجلى ذلك بشكل خاص في الحالات التي تتعرض فيها كرامة المراهق واعتزازه بذاته للخطر.

فهو في حالات كهذه قد يخرج عن طوره ويفقد اتزانه العاطفي ويمارس الكثير من ضروب السلوك غير السوي.

إخفاء الانفعال

يعاني الناشئ عند عبوره من المراحل النمائية ووصوله للمراهقة مختلف العواصف الانفعالية فتتعمق تجربته الانفعالية ويتعلّم فنّ إخفاء الانفعال وتمويهه والتلاعب به ولابد لنا إن نحن أردنا دراسة الحياة الانفعالية للمراهق من الغوص إلى أعماق تلك الحياة وعدم الاكتفاء بما يبدو على السطح منها فقد لا يكون الانفعال البادي على السطح سوى ظل ضعيف لصخب انفعالي خفي ومن المعلوم أن الناشئ يتعلم منذ الطفولة أن يمتنع عن البكاء وأن يخفي انفعالاته ويطوي الحاد والسلبي من مشاعره وتبعاً لذلك فقد يحس الناشئ بالخوف ولكنه يمسك نفسه عن أن يبدو كقط جزع وإنه لمن الشجاعة أن يخفي المرء مخاوفه لا أن يبديها ومن المؤكد أن الامتناع عن إظهار الغضب يشكل بحد ذاته دليلاً على قدرة المرء على ضبط النفس.

تفرض شروط الحياة الاجتماعية على الناشئ إخفاء انفعالاته ودفعها بعيداً في أعماقه الأمر الذي يؤدي إلى إضعاف أواصر الصلة بالذات وبضروب معاناتها وتزداد الشقة بين الوعي وبين ظواهر الذات الانفعالية عندما يجهل الناشئ ماهية رده الانفعالي في موقف ما أهو غضب أم خوف أو جزع أم تعاطف.

ومع نمو الطفل وتشعّب علاقاته الاجتماعية تتغير أشكال التعبير الانفعالي لديه ويستخدم لغته الخاصة في التأثير بالآخرين فطفل الأمس الذي كان يصرخ طلباً للعون في المواقف الصعبة صار عصي الدمع وهو يجابه الآن المواقف الصعبة التي كانت تدفعه سابقاً إلى الخوف والتوجس والغضب بقدر أكبر من الشجاعة وضبط النفس.

إنّ الناشئ الناضج يعتقد أنه من الضروري التحكم بانفعالاته وتوجيهها بحسب الزمان والمكان ومن المؤكد أن الحياة ستنقلب إلى فوضى إذا انفجر كل فرد بالدموع لأتفه الأسباب أو ركض كالأرنب مذعوراً إذا ما أحس إحساساً ضئيلاً بالخوف.

ويغالي بعض الناشئة في لجم الانفعالات وإخفائها ويأخذونها بعيداً عما تتطلبه الحياة الاجتماعية أو تفرضه من حدود لعمليتي اللجم والإخفاء ويزداد الأمر سوءاً بصدد عمليتي اللجم والإخفاء عندما يمارس الأهل فرض الإخفاء واللجم بسبب عجزهم عن مواجهة انفعالاتهم الخاصة وعن فصلها عن انفعالات الناشئ إذ يعجز من تعوزه القوة الداخلية لمواجهة انفعالاته عن مواجهة انفعالات الناشئ فيتشدد في دفع هذا الأخير إلى لجم انفعالاته وإخفائها في الوقت الذي يجب أن يدرّبه على مجابهتها وفهمها والتعبير عنها ضمن حدود معينة.

ومثل أولئك المراهقين يدخلون مراهقتهم مثقلين بضروب القصور والتشويه المنزلين بظواهر التعبير الانفعالي لديهم ومن المؤكد أنّ من يعاني التشويه والقصور في تعبيره الانفعالي يكون عرضة للعجز عن مواجهة القيم الأساسية للحياة وتقويمها في أطرها الموضوعية كما يكون عرضة لأن يضيع الكثير من المتعة بتجارب الحياة المثيرة ولارتكاب أخطاء مدمرة فعلى الأهل إن أرادوا مساعدة الناشئ على توجيه انفعالاته الرجوع إلى تجاربهم الخاصة في المراهقة لاكتشاف أخطائها ومن لا يدرك الخطأ في تجاربه الخاصة يعجز عن أن يكون أكثر من مولد أخطاء في الناشئ المسكين.

الحب والتعاطف

إنّ السّمة الأساسية للنمو الانفعالي في المراهقة هي الرغبة في العطف على الآخرين وكسب عطفهم في الوقت نفسه ولاشك أن عملية الأخذ والعطاء العاطفيين هذه ضرورية لتأمين الاستقرار العاطفي في حياة المراهق ويغدو التمييز بين عطاء العطف وأخذه صعباً عندما يتحقق النضج العاطفي للناشئ وينغمس في الحياة البنّاءة التي تتعارض مع وجود قوائم الدائن والمدين المتمثلة في عزل الأخذ عن العطاء وقد أكدّ قدماء الكتاب وعلماء النفس المعاصرون حاجة الناشئ السوي إلى أخذ العطف وإعطائه.

أصول العطف

يحسّ المراهق بالحاجة للعطف منذ مرحلة الرضاعة المبكرة حيث ينطلق كائناً عاجزاً في حياة قاسية يكون فيها بأمسّ الحاجة لعناية الآخرين به ورعايتهم له ومنذ الولادة يرحّب الرضيع بالتقرب الودّي من جانب الآخرين واحتكاكهم به.

وتتباين وجهات النظر بصدد أصول الحب فتذهب إحداها إلى عدّ الحب نفسه حاجة أولية مرتبطة بالطبيعة البشرية وليس نشوءاً ثانوياً عرضياً مرتبطاً بإشباع الحاجات الإنسانية الأساسية وتبعاً لذلك فإنّ الحبّ ظاهرة ملازمة للحياة البشرية ومتأصلة في طبيعة الإنسان ذاتها.

وهناك وجهة نظر معاكسة تؤكّد أن اعتبار الحب عنصراً طبيعياً في الوجود الإنساني ما هو إلا ضرب من المغالاة العاطفية المثالية التي تعوزها.

Report

Written by Karmen Barakat

What do you think?

Leave a Reply