in

الحضارة السومرية

كانت سومر الاسم القديم الذي كان يطلق على الأرض الواقعة بين النهرين الكبيرين دجلة والفرات اللذين ينبعان من الأراضي التركية وينطلقان عبر العراق ليصبا في الخليج العربي وقد ارتفع مستوى هذه الأرض فوق سطح البحر نتيجة للطمي الذي تحمله مياه النهرين وبسبب مجارٍ مائية صغيرة أخرى ولمّا جفت المياه تبين أنّ التربة على قدر كبير من الخصوبة والإثمار والغنى.

ولم يكن لدى السومريين الأوائل حجارة لصناعة الآلات اللازمة لأعمالهم لذلك كان عليهم أن يصنعوا مناجلهم من الطين الخزفي وكان ثمة أخشاب يبنون بها السفن التي تمخر عباب الماء في الأنهار أو عبر الخليج العربي حاملة التجار وبضائعهم إلى البلاد الأخرى.

ومنذ نحو أربعمئة سنة قبل الميلاد كانت القرى القديمة التي تحوي أكواخاً من أعواد القصب مبنية حول مزارات محلية مقدّسة نمت واتسعت وتطورت إلى بلدان يعمرها بضعة آلاف من السكان وكان يعيش في تلك المدن السومرية القديمة مختلف الصناع المهرة والتجار والمتسوقون ولكن الكهنة كانوا أكثر الناس أهمية فقد كان السومريون قوماً متدينين وكانوا يؤدون الجزية لآلهتهم بانتظام وكان من اختصاص الكهنة أن يرعوا شؤون الأرض المحيطة بالمزارات ويباشروا العمل الذي يجري في داخل المعابد ومن حولها وقد أعيد بناء المعابد أكثر من مرة لأن السومريون كانوا يعتقدون أن القيام بإصلاح المعبد فيه مرضاة الآلهة ومن شأنه التقرب منها والحصول على بركتها.

وقد جرت العادة على ملء كل معبد بعد انتهاء خدمة العهد الذي عاصره بالمصنوعات القرميدية ليصبح أساساً لمعبد آخر وعلى هذا فقد كانت رابية المعبد تزداد علواً حيناً بعد حين حتى تسيطر على المدينة كلها.

السجلات المكتوبة

استعمل السومريون الألواح الخزفية للكتابة وهي ألواح ما إن يتم إعدادها وتسويتها حتى تبقى على ما هي عليه آلاف السنين وتحتوي أقدم الألواح على صور بسيطة وأرقام غير سوية تعني حسابات يمسكها الكهّان وقوائم عن وحدات الأنعام وقطعان الأغنام ومقادير القمح والشعير ومنتجات الألبان وبيانات عن إيصالات ونفقات ،وبمرور الوقت تم تبسيط هذه الصور حتى أصبحت أخيراً مجرد رموز رسمت على الألواح بواسطة قطعة من البوص أو القلم وكانت هذه العلامات تأخذ شكل الإسفين أو المسمار ومنه سميت الكتابة السومرية بالمسمارية ومنذ نحو ثلاثة آلاف عام قبل الميلاد أخذت أسماء الملوك أو حكّام المدن تظهر في السجلات وكان أصحاب هذه الأسماء مرتبطين أوثق ارتباطٍ بالآلهة المنتصرة للمدن ويسمون أنفسهم الفلاحين المستأجرين لخدمة الآلهة وكان من أصحاب هذه الأسماء أيضاً قادة الحرب ويعتبر الملك المنتصر الموفق في إغارته على أعدائه موضوعاً مميزاً في الفن السومري.

ولقد علّم السومريون أنفسهم العد والحساب مبتدئين بما كانوا يطبعونه من نقط على الطين الخزفي وقد اخترعوا رمزاً خاصاً بالرقم 10 كما أنهم اخترعوا مزولة وساعة مائية لمعرفة الوقت ووحدات لتقدير الوزن والمقاييس وكانت الأجور والمستحقات تدفع شعيراً ولكن الفضة والنحاس كانا يستعملان في عمليات المقايضة عليهما ببضائع.

المدافن الملكية

يعتبر اكتشاف المدافن الملكية خارج سياج المعبد في أور واحداً من أكثر الحوادث إثارة في تاريخ الحفر والتنقيب جميعها إذ إن المقبرة التي وجدت دون أن ينالها العبث كانت لسيدة غير معروفة تضع على رأسها غلالة من الذهب ويرتفع إلى شفتيها قدح ذهبي.

وعبر المدخل المؤدي إلى المقبرة وجد خنجر فاخر من الذهب وخاتم من متعلقات أمير من الأمراء وبدا ذلك كما لو كان قد ألقى بهما حيث وجدا في إيماءة لوداع حار وكانت المقابر الأخرى التي اكتشفت تضم رجلاً وامرأة تحقق الباحثون من هويتهما الشخصية من وجود أختام منقوشة تشير إلى أنهما أبارجي وشوباد ومن المحتمل أن يكونا ملك أور وملكتها إذ كانا محاطين بحاشية وأتباع منهم جنود يضعون على رؤوسهم خوذات نحاسية ويحملون حراباً وخناجر وسيدات من  البلاط يرتدين أفخر ما لديهن من ملابس وقد أحضر كل من هؤلاء الأتباع كأساً صغيرة بها سمّ ليشربه مؤكداً بذلك أنه سيستمر في خدمة الملك والملكة في الحياة الأخرى.

المباني السومرية

يبدو أنّ الحياة اليومية للسومريين كانت تشبه إلى حد كبير الحياة التي يعيشها الفلاحون في العراق هذه الأيام ولابد أنّ بلدانهم كانت أيضاً متشابهة.

كانت الشوارع ضيقة وغير مستقيمة والطرقات غير مرصوفة وكانت البيوت عصرية وصغيرة أما مداخل البيوت السومرية فقد كانت مقوّسة لعدم توافر الخشب الكافي لعمل العتبات وكانت الغرف ضيقة وكل بيت يبنى حول فناء وسيط تفتح عليه أبواب الغرف الأرضية وكانت الأدراج تؤدي إلى غرف الأسرة في الطابق العلوي وصار السومريون فيما بعد يدفنون موتاهم في سراديب تحت الساحة المرصوفة خلف المنزل.

وكان للأسرة أيضاً معبد ومذبح وكانت الروابي المرتفعة تطل على البلدة السومرية وتعد بمثابة القلعة الأخيرة في خط دفاعها كذلك كانت مدينة أور محصنة بجدران خارجية وأخرى داخلية تشمل أفنية المعبد.

وأحيطت الرابية بسور لحمايتها يبلغ سمكه 36 قدماً وكان المزار الصغير في أعلى مكان من المدينة يستعمل بصفة خاصة أثناء الاحتفال المثير الذي يبهر الأبصار ويعد للكهان وقادة الشعب والملك وحاشيته إذ يُرقى أثناء سيره الدرجات الثلاث لبلوغ قمة برج المعبد ومن هذا المكان يتاح للمحتفلين أن يشاهدوا دخان الضحايا منبعثاً من مزارات بعيدة حيث يهبون الآلهة الضحية التي تطلبها من المخلوقات الحية والتي تقضي بها الطقوس المقدسة.

Report

Written by Nasem Madi

What do you think?

Leave a Reply