in

تلوث التربة

كثيرةٌ هي المشاكل و التهديدات التي تواجه الترب بشكل عام و بالأخصّ الترب الزراعية ، و هذه المشاكل تقود إلى تدهور الترب مما يؤدّي إلى تدمير المادة العضوية فيها و بالتالي جعلها وسطاً غير ملائماً لنمو و انتشار النباتات فيها.

مع مرور الوقت و نتيجة اجتماع كل هذه الظروف القاسية بحق التربة و مادتها العضوية ، ستتحوّل بالتدريج إلى أراضٍ رمليّة لن تنمو فيها إلّا النباتات الشوكيّة الصحراوية ، و ستزول شيئاً فشيئاً الأشجار المثمرة و محاصيل الخضار و الحبوب.

إنّ كل هذا السيناريو المرعب لن يؤثّر على النباتات فحسب ، بل سيكون له تأثير مباشر على الحيوانات العشبية التي تتغذّى على هذه الأعشاب ، و لن تستطيع التأقلم مع هذه التأثيرات القاسية ، و بالتالي سنشاهد زوالها و زوال الحيوانات اللاحمة معها التي كانت تعتمد في غذائها على آكلات الأعشاب. هذا إن استطعنا نحنُ البشر رؤية كل هذه الأحداث! لأنه بغياب النباتات عن سطح الأرض لن نتمكّن من العيش يوم واحد آخر.

مما سبق نجد أنّ مشكلة تلوّث التربة من أصعب و أعقد التهديدات التي تواجهها التربة ، حيث ينظر المهتمّين بقلقٍ شديد تجاه هذه المشكلة نظراً لخطورتها و لما لها من تأثيراتٍ مدمّرة على حياة الكائنات الحيّة.

ينتج هذا التلوّث بشكل أساسي عن نشاطات الإنسان و بالأخص في المجالات الصناعية ، كما هو الحال بالنسبة لمخلّفات المصانع و مخلّفات المنازل و المباني و المنشآت الصناعية ، بالإضافة إلى معامل الكيماويات و المبيدات ، و المحطّات المُصنّعة للطاقة و المواد المشعّة…

ومع زيادة نشاطات الإنسان و اعتماده على الطاقة غير النظيفة و زيادة حاجته لاستخدام المبيدات و المواد الكيماوية في عمليّات مكافحة الآفات و الحشرات ، زاد حجم هذا التلوّث و انتشر على نطاقٍ أوسعٍ لا يمكن السيطرةُ عليه ، حيثُ انتقلت هذه الملوّثات إلى المياه الجوفيّة و المياه العذبة و مياه البحار و المحيطات وأثّرت بشكل مباشر على الحياة المائية هناك.

بما أنّ الإنسان هو المُستهلك الأخير في نهاية السلاسل الغذائية فإنّ كل هذا التلوّث سوف يصل إليه عن طريق الغذاء الذي يتناوله ، أو الماء الذي يشربه ، أو حتّى الهواء الذي يتنفّسه.

من كل ما سبق يمكننا تعريف تلوّث التربة بأنّه:  التلوّث الناتج عن وصول أي مادّة إلى التربة بكميّة أو تركيز مخالف للكميّة و للتركيز الطبيعي ، و بالتالي يمكن لهذه المادّة أن تسبب خطراً على حياة النباتات و الحيوانات و الأحياء الدقيقة الموجودة في التربة ، و يمكنها أن تنتقل إلى المياه الجوفية أو السطحية وفي النهاية ستكون أكثر خطراً على الإنسان و صحّته.

و بسياقٍ علميٍّ أكثر يمكن تعريف المادة الملوّثة للتربة بأنها أي مادة تغيّر بشكلٍ سلبيّ بخصائص التربة و تركيبها الكيميائي و تؤدّي إلى تدهور بنيتها الطبيعية ، و ذلك عن طريق وجودها بكميّات و تراكيز فائقة للمعتاد ، بحيث يمكنها أن تتفاعل أو ترتبط مع مواد و عناصر أُخرى و تتحوّل إلى مادة سامّة ذات تأثيرات خطيرة على النباتات و المزروعات التي سيتم استهلاكها من قبل الحيوانات العشبية و الإنسان.

تعتبر الأسمدة و المبيدات الكيماوية من أبرز مصادر هذه الملوّثات، فمع التزايد السكّاني الهائل زاد الطلب بشكلٍ كبيرٍ على الغذاء، و لم تعد وسائل الزراعة التقليدية كافيةً لخلق إنتاج زراعي يسدّ هذه الحاجة الغذائية ، وهنا كان لا بدّ للإنسان من اتّباع أساليبٍ حديثةٍ في الزراعة و السعي لتكثيف الإنتاج الزراعي ، الذي أدى إلى استنزافٍ للتربة و للعناصر المغذّية الموجودة فيها، فبرزت الحاجة لتصنيع هذه المغذّيات بالطرق الصناعية و تقديمها للنباتات على هيئة أسمدة.

كذلك كانت الآفات و الحشرات تنافس الإنسان على غذائه ، و لم تفلح وسائل المكافحة الحيوية و الطبيعية في المواجهة ، مما دفع الإنسان لاستقدام و استحداث أساليب جديدة في المكافحة تعمل على إبادةٍ جماعية و على نطاقٍ واسعٍ لهذه الحشرات.

إن طمع الإنسان و شجعه دفعا بهِ إلى خلق مثل هذه المواد التي كان لها الكثير من الجوانب الإيجابية ، لكنّها كانت الأكثر خطورة على الكائنات الحيّة و على الإنسان بنفسه الذي يقف عاجزاً أمام حل هذه المشكلة و الكثير من المشكلات التي تهدد حياته ، و أصبح يسعى للعودة للزراعة العضوية الأقل خطورة على حياته و لكنّها الأكثر تكلفةً اليوم.

Report

Written by Hya H Maklad

What do you think?

Leave a Reply