in

تكوّن مفهوم السلطة

السلطة ظاهرة طبيعية جذورها عميقة في المجتمعات الإنسانية بل إنّنا نجد آثارها في بعض المجتمعات الحيوانية، ولهذا فإنها تبدو للإنسان أمراً عادياً يجدها في المجتمع الذي يعيش فيه شأن الشمس والرياح في الطبيعة.

كيف يتكون مفهوم السلطة عند الإنسان

هناك عدة أمور تؤدي إلى تكوّن مفهوم السلطة عند الفرد أهمها:

دور الهيبة

تلعب الهيبة دوراً هاماً في تكوين السلطة وهي ظاهرة تمثل رغم ما يكتنفها من غموض حقيقة واقعية وقد كان دور الهيبة عظيم الشأن في المجتمعات البدائية وتتداخل فيها عناصر كثيرة تسهم في فرض إرادة الزعيم القائد كقدرته على التعبير بوضوح عن القيم التي تؤمن بها الجماعة وتحديد أهدافها وكثيراً ما تتجسد هذه القيم والأهداف في شخصه والهيبة تفترض اتصالاً مباشراً بين الزعيم وأولئك الذين يصدر إليهم الأوامر وهو شرط لا يتوافر في الجماعات البشرية الكبرى كالمجتمعات الحديثة وهذا يفسر لنا إلى حد ما تضاؤل دور الهيبة فيها.

غير أنه يلاحظ أن تطور التقنية الحديثة يتجه إلى رد اعتبار الهيبة بحيث يتزايد شأنها وأهميتها في المجتمعات الحديثة باطراد.

المصادر اللاشعورية للسلطة

ينهج علم النفس التحليلي على خطوات فرويد فيتجه إلى تفسير معظم الظواهر النفسية والاجتماعية بالذكريات اللاشعورية للطفولة الأولى والسعي لاسترداد جنة الطفولة المفقودة ويرى فرويد أن المرء تحكمه طفولته وعلى هذا تكون السلطة السياسية أثراً من آثار السلطة الأبوية وامتداداً لها، وهذه العلاقة بين الآباء والأبناء تحكم كلّ العلاقات الاجتماعية التي تبنى على صورتها ويتحدّد موقف المواطن من السلطة السياسية انطلاقاً من موقفه وهو طفل من آبائه.

السلطة من المعطيات المباشرة للوجدان

إنّ الحقيقة الاجتماعية تنطوي كما يلمسها الإنسان على فكرة الرئيس والسلطة، وتبدو السلطة في المجتمع ظاهرة طبيعية شأنها شأن الماء والنار في العالم الطبيعي وفكرة العيش بدون رؤساء لا يمكن تصوّرها أو الوصول إليها بالاستدلال.

ولعلّ التدريب يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال، فالطفل يروض منذ طفولته المبكرة على الخضوع لإرادة والديه والانقياد لأوامرهم ثمّ تلي هذه المرحلة مرحلة الدراسة بما تشتمل عليه من مدرسين ومراقبين ومدراء ونظام العقوبات فتغرس هي أيضاً في الطفل حس السلطة والخضوع وكلما شبّ الطفل ونما إدراكه للمجتمع الذي يعيش فيه ازداد لديه الشعور بوجود السلطة في كل مكان وفي جميع نواحي الحياة.

السلطة والإكراه

ما إن يتجاوز الطفل مرحلة التعليم حتى يجد أنّ الإكراه في الحياة متصل بلا انقطاع وإذا كان قد تجاوز المرحلة التي يهدده فيها مدرسه ومربيه بعصاه فإنه يجد هراوات الشرطة التي تمثل هي الأخرى صورة من صور الإكراه الاجتماعي، والإكراه في هذه المرحلة لا يقف عند حد الإكراه المادي بل يتخذ أشكالاً وصوراً كثيرة يتمثل بعضها بدور الدعاية في الدولة الحديثة.

والسلطة ليست ظاهرة من ظواهر القوة فحسب بل تساهم كثير من العوامل في تكوينها ولقد لعبت القوة في الماضي البعيد الدور الأول في إقامة السلطة إلّا أن دورها أصبح ثانوياً في المجتمعات الحديثة ، وعندما يلجأ الحاكمون إلى القوّة لدعم سلطتهم وفرض الخضوع لإرادتهم فمعنى ذلك  أن هذه السلطة تصدّعت أسسها وأصبحت معرضة للانهيار وبالرغم من ذلك فإنّ القوة تلعب دوراً هاماً في هذا المجال وإذا كان يصح القول أنّ الدولة لا تقوم على الشرطة فقط فإنه يجب أن يضاف فوراً أنه ما من دولة بدون شرطة.

وكانت القوة في الأصل تكمن في التفوق البدني غير أنها تطورت مع تعقد المجتمعات ونمو المدنية بحيث أصبح الذكاء والحيلة يلعبان مع التقنية من جهة أخرى الدور الأهم.

 ففي الدولة الحديثة مثلاً اتخذ الإكراه البدني شكلاً مخففاً يتمثل في الإجراءات الجنائية وملاحقة الشرطة بدون تغير أساسي في طبيعة العلاقة بين الحاكمين والمحكومين.

Report

Written by Muhammed Saleh

What do you think?

Leave a Reply