in

الإعلام وتكوين الرأي العام

إن الإعلام نشاط روحي عملي تطبيقي في مجال تكوين القناعات الفكرية والايديولوجية وله علاقة مباشرة بسياسة الأحزاب والدولة عن طريق نشر الآراء والأفكار والمواقف وإدخالها في وعي الناس وتعزيزها.

فالأفكار عندما تسيطر على وعي الجماهير تتحول إلى قوة مادية ويحدث ذلك بسرعة أكبر كلما كان الإعلام أنجح في مساعيه في سبيل تكوين الرأي العام الذي يشارك في تلك الأفكار.

ويكوّن الرأي العام حلقة ربط بين وعي الناس وأنشطتهم وأفعالهم حتى نراه وكأنه يتجسد فيها وبالتالي فإنّ الإعلام الذي يكوّن الرأي العام يساعد على تحقيق أفكار وآراء معينة في الحياة الاجتماعية والمسألة هنا تنحصر في كيفية تعزيز التأثير الإعلامي في وعي الناس إذا افترضنا أنه أثناء عملية تفاعل الإعلام والرأي العام يصطدم وعي رجل الإعلام مع وعي الجمهور.

ومن الواضح أنّ الإعلام يكون فعالاً عندما يستطيع التقاط القضايا ذات المعنى العام الذي يعبّر عن مستوى التصورات السائدة بين الجماهير ويطابق أشكالها مع الصفات الأخرى لوعي الجماهير.

وظائف الإعلام فيما يتعلق بالرأي العام

يلعب الإعلام دوراً كبيراً في تشكيل الرأي العام ولعل أبرز وظائف هي:

1- عند إعطاء الأخبار الحديثة يقوي الإعلام ويعزز الرأي العام الذي قد تم تكوينه ويعبر عن العلاقة الخاصة بهذه الظواهر الاجتماعية أو تلك ويضع الحلول للمسائل الماثلة أمام المجتمع.

2- عندما يقوم الإعلام بتحليل الأحداث الداخلية والدولية ينظم الرأي العام ويدفعه مقدماً بذلك المسائل الهامة اجتماعياً للحكم عليها من قبل الأوساط الاجتماعية وهذه هي الوظيفة الأهم بالنسبة للرأي العام.

فمثلاً إذا قرر طرح مشروع قانون للنقاش على الجماهير يكشف الإعلام عن جوهره ويفسر معانيه ومحتواه من كل الجوانب ويظهر مدى ارتباط المصالح العامة والخاصة وفي النتيجة يحصل مشروع القانون هذا ليس فقط على التأكيد له وإنما يتم إغناؤه عن طريق الاقتراحات والأمنيات التي تطرحها الأوساط الاجتماعية والتي تعكس آراء الجماهير فيما يتعلق بهذا المشروع ويمكن الأخذ بالحسبان الشكل الأمثل للمصلحة الاجتماعية.

3- إن الإعلام يغير الآراء المكونة بصورة ناقصة لأن الواقع الموضوعي معقد وتناقضاته الحقيقية يمكن أن تحصل على انعكاس سطحي ووحيد الجانب وحتى كاذب في وعي الناس.

وهناك بعض الحالات تحدث عندما يتكون الرأي العام تحت تأثير الحقائق المشوهة أو غير المؤكدة بصورة مقنعة وعندما يعطي الإعلام في كل حالة الخبر الضروري والبراهين المقنعة يغير الرأي العام غير الصحيح.

وكلما كان الخبر كاملاً أو شاملاً كان الرأي العام موضوعياً أكثر وكان الخبر في وقته المناسب تشكل الرأي العام المماثل بسرعة أكبر إلا أن الإعلام لا يحمل فقط المعارف الضرورية لتكوين الرأي العام بل هو مدعو أيضاً لإيصالها إلى حد القناعات التي عليها أن تصبح مثلاً لسلوك الناس ومع تدعيم أسس القيم والمبادئ الإنسانية العامة مثلت أمام الإعلام مهمة تربية الإنسان تربية أخلاقية وفكرية واقعية وإظهار تفوق النهج العقلاني والعلماني أمام النهج الغيبي السلفي المتخلف.

إنّ معرفة الموضوع وقوانين تكوين الرأي العام والوظائف التي يقوم بها الإعلام إلى جانب دراسة الواقع الفعلي الظاهرة السابقة تعد سبلاً صحيحة لرفع فعالية التأثير الإعلامي في الرأي العام.

فالرأي العام يتشكل بناء على مسائل مختلفة جداً منها السياسية والاقتصادية والأخلاقية وغيرها، والمهم منها بالنسبة للرأي العام تلك التي تهمّ الشعب أكثر من غيرها في فترة زمنية معينة.

ويتغير موضوع الرأي في مجرى التطور التاريخي وفي المجتمع الإنساني المعاصر نلاحظ النزوع إلى توسيع مجالات الرأي العام. فإذا كان الرأي العام يظهر قبل كل شيء وبشكل أساس في المجال الأخلاقي والسياسي فإنه الآن أخذ يظهر في المجال الاقتصادي أيضاً وهذا ما نشاهده في كل أنحاء العالم.

إنّ برامج التطور الاقتصادي أصبحت موضوعاً مهماً للرأي العام وإنّ معرفة موضوع الرأي العام تعطي الإمكانية للإعلامي في اختيار الحقائق والأفكار التي تسمح بتنظيم آراء الشعب حول المسائل الاجتماعية المهمة.

ومن المهم للإعلامي أن يتصور العلاقة بين الحالات العفوية والحالات الواعية في عملية تكوين الرأي العام وكقانون يتكون الرأي العام في المجتمع الإنساني المعاصر من قبل مؤسسات حكومية واجتماعية وسياسية مختلفة أي أن وجوده يحمل طبيعة هادفة وإلى جانب ذلك فإنّه فيما يسمى الآن النظام العالمي الجديد غالباً ما يولد هذا الرأي عفوياً وعدم تقدير الآراء المولودة والمكوّنة عفوياً يؤثر تأثيراً سلبياً في دراسة الرأي العام.

مع العلم أن العفوي لا يمكن أن يكون دائماً خاطئاً فالآراء التي تولد في مجموعة الجماهير لا تمسّ أكثر المسائل إلحاحاً بل تعكس مصالح هذه الجماهير إلا أنه لابد من إعطاء هذه العملية طبيعة هادفة.

إنّ الإعلام يؤثر في الرأي العام أثناء عملية تكوينه وأثناء عملية توظيفه ففي الحالة الأولى يركز الإعلام اهتمام الناس بالمسائل الملحة للحياة الاجتماعية مفسراً معناها وفي الحالة الثانية يضع أمامه مهمة رفع فعالية الرأي العام ومن هنا يمكن النظر إلى توظيف الرأي العام وفعالية الإعلام الموضوعي الهادف كعملية ديناميكية تمكّن الأحكام المدعمة علمياً إلى الدخول الفعلي النشيط في حياة الناس العملية حين يحتوي الرأي العام المكون على قدرة إيديولوجية هائلة.

فالمستوى الرفيع لتناسب الإعلام الموضوعي الهادف مع الرأي العام الموظف يساعد على تطوير الصفات التي تحوله إلى وسيلة فعّالة لتنظيم العلاقات الاجتماعية ولتربية الناس تربية وطنية وقومية وإنسانية.

والإعلام ضروري للرأي العام عندما يكون متميزاً بالصفات الإيجابية والنوعية والأمر ينحصر في أنه مع تغيير حياة الناس لابد من تغيير آرائهم وأفكارهم وأحكامهم وتصحيح مقاييس تقديرات الحقائق والظواهر في الواقع الاجتماعي.

Report

Written by Yola Othman

What do you think?

Leave a Reply