Hya H Maklad
تضرب جذور هذا العلم قدماً في التاريخ البشري ، فهي لا تقتصر على العصر الحديث فقط ، بل تعود إلى العصور البدائية والقديمة للإنسانية.
وقد كانت حينئذ التفسيرات الإنسانية لسلوك بني البشر مقتصرة على التنجيم وضرب الرمل ومراقبة شكل وحجم الوجه وقراءة الكف ، وما إلى ذلك من تلك الأساليب البدائية التي لاتزال شائعة حتى اليوم بين العديد من الجماعات الإنسانية ، على الرغم من التطور الذي أصاب العلم عموماً.
وقد كان علم النفس منذ القدم ، وقبل أن يصبح على هذه الشاكلة التي هو عليها اليوم كونه علم مستقل بذاته ، وله أساليبه وطرقه القياسية ، وله منهج علمي يستند إليه في إصداره لقوانينه المختلفة ، كما أن له موضوعاً هو النفس البشرية ، وما يحتملها من تخيلات ومشكلات وماضٍ يؤثر فيها ، وتفاعلات وطرق للإدراك والتفسير ، وغيرها من العوالم المعقدة في النفس البشرية.
كان البشر يحاولون التنبؤ بطبيعة السلوك الإنساني لمعرفة الضوابط التي يخضع لها ، على الرغم من عدم وضوح رؤيتهم بهذا الشأن كما قلنا قبل قليل ، وبالشكل التي هي عليه اليوم.
إلا أنه لا يمكن إنكار وجود التفسيرات عموماً لهذا السلوك ، وهذا هو ما يهمنا ، إذ إن محاولة الإنسان التفسير بحد ذاتها ، تعد إنجازاً كبيراً في تقدم هذا العلم ، وإن كانت لا تزال في مهدها بعد.
إذن يمكن الاستنتاج مما سبق ، أن هذا العلم الذي يدرس النفس البشرية وهو علم النفس ، لا يعد وليد اليوم فقط ، بل إن جذوره تمتد إلى العصور القديمة في الحياة البشرية ، والتي كانت تحاول فهم مكنوناته.
في الحقيقة ، إن معرفة اتجاهات الإنسان ، ومعتقداته وأفكاره ومشاعره التي تشكل في مجموعها ذلك السلوك الناتج عنه ، هي أمور بالغة الأهمية. ولكن تصبح هذه الأمور ضرورية جداً في عصرنا الحالي ، في ظل ما يعيشه البشر من ظروف العصر المتقدم للإنسانية ، والذي يسعى إلى تحقيق مزيد من الرفاهية للإنسان ، والتي لن يتمكن من تحقيقها دون معرفة حقيقة وموضوعية الطبيعة البشرية وما يجول في أعماقها.
تمتد جذور هذا العلم إلى الفلسفة اليونانية ، والتي ترتكز على عمالقتها الثلاثة :
( سقراط ، وأفلاطون ، وأرسطو ).
وقد عالج هؤلاء الفلاسفة موضوع نفس الإنسان برؤى فلسفية وتأملية لما يمكن أن تكون عليه الطبيعة البشرية.
فقد رأى أفلاطون على سبيل المثال : إن طبيعة الإنسان تتألف من مكونين : أولهما (النفس، أو الروح) ، وثانيهما (الجسد) ، وانطلق من رؤيته هذه إلى تفسير العالم ككل ، حيث رأى أن العالم ينقسم أيضاً بدوره إلى عالم سفلي أو مادي ، وعالم علوي أو مثالي ، وكل من العالمين يمثل صفات واقعية من تلك التي نعيشها بصفة يومية.
فمثلاً رأى أن العالم المثالي الذي يوجد بشكل غير ملموس في الحياة ، يحتوي على قيم ثلاثة وهي قيم (الخير، والحق، والجمال).
أما العالم الثاني أو العالم المادي :
فهو يحتوي على التفاعلات اليومية التي يقيمها بنو البشر مع بعضهم بعضاً.
إذاً نرى كيف أن أحد فلاسفة اليونان العظماء قد قام بربط النفس البشرية وتفسيره لها بقيم أخرى وبتفسيرات كونية أخرى ، مثل ربط بينها وبين العالم ككل ، وهذا ما يدل على ترابطية الأشياء لدى أعمدة العلوم في العصر الحالي ، وهم الفلاسفة اليونانيون..
وبالنسبة لأرسطو مثلاً فقد كان يتفق أيضاً مع أفلاطون ، من حيث أن العالم ككل يتكون من عالمين ، مادي ( ملموس )، وغير مادي (غير ملموس ). وقد ميز في ذلك بين دوافع السلوك لدى البشر، إذ اعتبر أن له أسباباً داخلية وأخرى خارجية تصدر عن البيئة.
