in

التعليم ولغة الإشارة لدى الصم

مع التقدم العلمي في السنوات الأخيرة وإدراك مشكلة المعاقين في العالم وتزايد الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة ظهرت برامج تتضمن تقديم خدمات متنوعة طبية واجتماعية وتربوية ونفسية لهذه الفئة من البشر ممن يعانون من إعاقة أو تأخر نمائي.

وتتضمن هذه الخدمات مجموعة من العمليات التي يتوخى منها تطوير قابلياتهم وقدراتهم إلى أقصى درجة ممكنة.

وسنسلط الضوء في مقالنا على فئة الصم حيث يعتبر تدني مستوى الصم الأكاديمي خصوصاً في مجالات القراءة والكتابة والرياضيات من المعضلات التي تواجه المعلمين في مجال تعليم الأفراد الصم.

ومن الطرق الحديثة في تعليم الصم ما يعرف بطريقة كتابة لغة الإشارة وهي عملية يتم من خلالها تحويل لغة الإشارة الوصفية وتعابير الوجه وإيماءات الجسم إلى رموز بصرية يمكن كتابتها وقراءتها.

كتابة لغة الإشارة تاريخياً

عرفت مرحلة كتابة لغة الإشارة بعد عام1960 ولا يوجد ما يشير إلى كتابة الإشارة قبل هذا التاريخ وإنّ استعراضاً سريعاً للغة الإشارة يبين لنا أنّ أقدم المحاولات المتصلة بتنمية قدرات الاتصال لدى الصم يعود إلى العام 155‪5 على يد الإسباني بونسي الذي بدأ بتعليم أطفال العائلات النبيلة ثم تلاه إسباني آخر عام1620  حيث وضع أول قاموس معروف في لغة الإشارة وفي عام 175‪5 قام الفرنسي ليبي شارلو ببناء أول مدرسة لتعليم الصم في باريس وقد تعرضت لغة الإشارة إلى هجوم شديد في القرن التاسع عشر من أنصار الطريقة الشفوية ففي المؤتمر الذي عقد في مدينة ميلانو الإيطالية عام1880  تم منع هذه الطريقة وفرض الطريقة الشفوية التي بقيت الطريقة الوحيدة المعترف بها خلال قرن كامل في أوروبا وأمريكا ولكن قوة لغة الإشارة وأهميتها جعلتها تفرض نفسها مرة أخرى فاستمرت في التطور وأخذت مكانها في مجتمع الصم حتى اعتمد مؤتمر الاتحاد العالمي للصم الذي عقد في طوكيو باليابان عام1991  لغة الإشارة كلغة أم للصم

أهمية كتابة لغة الإشارة

تبدو أهمية كتابة لغة الإشارة في النقاط التالية:

أولاً: يكثر الحديث عن ضعف المستوى الأكاديمي للطلاب الصم والذي يعود في معظمه إلى طرق التعليم المستخدمة معهم وليس إلى الخلل في قدراتهم العقلية فقد بينت الدراسات أنّ مستوى التحصيل للصم في القراءة لا يتجاوز الصف الرابع الابتدائي وفي الرياضيات لا يتجاوز الصف السادس الابتدائي.

إذ تم تعليم الأصم بالطرق التقليدية فالخلل يعود إلى طرق التعليم وليس إلى قدرات الطالب الأصم فهو يحتاج في التعلم إلى طريقة تتلاءم مع خصائصه كأصم مثل فقدان القدرة على السمع والنطق ومن هنا جاءت هذه الطريقة التي تعتمد على تعليم الأصم بلغته الأم لغة الإشارة من غير أن تجبره على التعامل مع مشكلة اللغة المنطوقة والتي لا يفهمها عادة ويعاني في الأساس من إشكالية التعامل معها بسبب قدرات السمع والنطق المتدنية لديه وهو أمر ظاهر لكل العاملين في تعليم الأفراد الصم والمتعاملين معهم.

ثانياً: إنّ كتابة لغة الإشارة تجعل من الممكن أن يكون لدينا كتب وصحف ومجلات وقواميس وأدب مكتوب يمكن أن يستخدم في تعليم لغة الإشارة وقواعدها سواء المبتدؤون أو المحترفون بلغة الإشارة.

ووجود وسائل تعليمية مساعدة يزيد القدرة على التعلم ويزيد الحصيلة اللغوية ومن هنا فإنّ اعتبار كتابة لغة الإشارة اللغة الأم واللغة المنطوقة هي اللغة الثانية.

ثالثاً: تعلّم كتابة لغة الإشارة يساعد على تعلّم اللغات الأخرى بشكل أفضل كما أنها تحمي التاريخ والثقافة وتعطي عمقاً وإنسانية للتفكير وهذه القضايا مرتبطة بشكل وثيق باللغة ولذلك يجب أن نحترم لغة الصمّ وندعمها بالقدر الذي نعتقد فيه بوجوب احترامهم وتقديرهم باعتبارهم أفراداً في المجتمع لهم كامل الحقوق وعليهم كامل الواجبات ومن مظاهر دعمهم العمل على توثيق ثقافتهم بلغتهم الخاصة.

رابعاً: إنّ كتابة لغة الإشارة ستضع الأصم على قدم المساواة مع الأصحاء الذين يكتبون لغتهم الخاصة ويرون أنفسهم بإيجابية أكثر كما أنّ كتابة لغة الإشارة ستزيد ثقة الأصم بنفسه وترفع مفهومه وتصوّره لذاته وإننا نعلم ما لمفهوم الذات من أثر إيجابي على التعلّم وإذا كان تعليم الصم باستخدام لغة الإشارة بحد ذاته يحسن مفهوم الذات فإنّ كتابة لغة الإشارة ستزيد من تأكيد الذات وبالتالي زيادة الصحة النفسية للصم والتي هي أحد أهداف تعليم الصم.

خامساً: كتابة لغة الإشارة ستعمل على تقليل المعاني الضائعة في الترجمة من اللغة المنطوقة إلى لغة الإشارة أو من لغة الإشارة إلى اللغة المنطوقة كما أننا من خلال كتابة لغة الإشارة نستطيع مقارنة لغات الإشارة المختلفة في العالم.

سادساً: إن كتابة لغة الإشارة ستساعد على نقل المعلومة من الأفراد الصم ومستخدمي لغة الإشارة إلى الآخرين من السامعين الذين يهمهم استخدام لغة الإشارة لسبب أو لآخر كأفراد الأسرة أو المعلمين أو الأصدقاء أو الأقارب وبخاصة إذا كان هناك مشكلة عندهم في متابعة الأفراد الصم المحترفين في لغة الإشارة والذين يؤدونها بسرعة مما يجعل أمر متابعة لغة الإشارة من الصعوبة بمكان على الآخرين وبالمقابل يمكّن الأفراد الصم من الحصول على المعلومة بلغة الإشارة إذا كانت مكتوبة وعدم الاعتماد على الآخرين وخصوصاً إذا كانت مهاراتهم في لغة الإشارة محدودة وهذا سيزيد تعاون آباء الطلاب الصم في المدرسة ومتابعة تحصيل أبنائهم.

Report

Written by Waleed Mustafa

What do you think?

Leave a Reply